كنت جالسا على الكرسي، لفافة التبغ بين أصابعي و الصواعق تشقّ ضلمةمبتلّة و البرد يضرب بسوطه على المارّة خارج المن السماء كأنها سيوف لامعة، النوافذ زل. كُنت أستمع لموسيقى خفيفة ل مايل ديفيس حين صارت الحروف تتراقص ببن يدي على صفحات أحد كتب دوستويفيكي و شعرت بتعب شديد ثم غطت في نوم عميق.
يقول نفس الكاتب أنّ وضعية النوم تصنع أحداث الحلم.
ربما لهذا كان أولّ ما رأيت هو نفسي جالسا لوحدي في محطّة قطار فارغة تماما، كانت الكراسي بجانبي خشبية مبتلّة، و الصمت مطبق على المكان إِلَّا من صوت حشرات لا أراها. بقيت أنتظر القطار في سكون، لا أعلم إلى أين سيأخذني و لست أدري من أين سيأتي، وقدّ ذكّرني الأمر بالأقدار . انتظرتُ ساعات أم هكذا ضننت، و مرّت ساعات أخرى و أنا أنتظر.
 قضيتُ ليلة بكاملها لا أعلم حتى ما الذي كنت أنتظره، فالمحطّة مهجورة، و النخيل المتدلّي وراء الرصيف يرعبني. سمِعتُ خطوات إنسان يقترب، رفعت رأسي شاهدت شبح امرأة نحيفة تتلحفّ بوشاح أبيض آتية نحوي، ثم وقفٓت أمامي و كشفٓت عن وجهها.
كانت ذات ملامح عربية جميلة قاحلة في آن و كأنها آتية من زمان آخر، شفتاها ممتلئتان، أخدٓت تنظر نحوي بأعين واسعة و تتأملّ وجهي كأنها تريد أن تقول شيئا، ثمّ أردفٓت بصوت لطيف و حزين:
- أنت الآن تحلم..
- من أنتِ ؟
- أنا بالنسبة لك غير موجودة و لكنك تراني و تسمعني بل تكاد تلمسني، و مازِلت مثل الجميع تصّر أنني محض خيال.. مهما سافرت إلى البعيد ستبقى قريب..

بقٓت هذه الغريبة تتحدث بكلام مُبهم، و سمعت صوت جرس كهربائي يتردد في الصدى فحسبت أنّ القطار سيأتي أخيرا.
 أزعجني صوتُ الجرس كثيرا حتى أنني استفقت جالسا على الكرسي تماما كما نمت، أوقفت المنبّه عن الرنين. وجدتُ لفافة التبغ على الأرض بين قدمي، و الفجر قد بزغ من بين السحاب و تسلل بضوئه الخافت إلى غرفتي، مايل ديفيس مازال يعزف.  ترك في داخلي.
أتغيّر كل صباح، كلّ أحداث اليوم تغيّر أحلامي، و كل أحلامي تغيّر أحداث أيّامي. 
Eddie pacer

Comments

Popular posts from this blog