جعلتُ المنشفة على كتفي ، ووقفتُ عِند باب الحمّام مرتديا.. لا لم أكن أرتدي أي شيئ . وقفتُ أفكرّ إن كان الوقت قد حان لزيارة الطبيب ، و أحكي له عن نوبات الرهاب التي أخدٓت تنتابني . لقد صِرت أخاف من كل شيئ حولي . جهاز الراديو ، النافذة ، الصّور المعلّقة ، الأزهار ، تمثال القط.. كلّ هذه الأشياء تدبّ فيها الحياة فجأة و تصير ذات أعين تراقبني ، و أسمع أصواتها تتحدث داخل رأسي فأريد أن أُجّن ! لم يكن يجب أن أتذكر هذا الآن .
قررّتُ إذن تأجيل الحمام .
أخدتُ نفٓسا عميقا و عُدت إلى الصالون . كانت الإنارة خفيفة ، الفونوغراف مازال يدّور أسطوانة لأغاني غجرية لا أفهمها . أخدت من على منضدة المدفئة قنينة ويسكي فصببت كأسا صغيرا . و جلستُ غارقا في الأريكة الجلدية ، و رُحت أشرب و أنظر من حولي في ترقّب . كلّ شيئ في مكانه الآن . سيُستبدل الأتاث بنُسخة منه ! سوف أبدأ بسماع تلك الأصوات ! لا لن أفكر في هذا . الطبيب ؟ سيقول أنّ حالتي النفسية قد تفاقمت لحدود تتجاوز اختصاصاته ، و قد أُرسٓل لمصحّة حيث أُرغم على تناول عقاقير تزيدني مرضا فأقضي حياتي في عنبر مع المجانين ! سأتعرّض هناك للضرب و التعنيف و لن يصدّقني أحد ، أو يأخد بقولي !
هذا تفكير منحرف ! كفى !
هيّا خُذ نفسا آخر.. استمع إلى الموسيقى و هدّأ من روعك..
توقفّت الأصوات في ذهني . عمّ الهدوء . وجعلتُ مُطأطأ الرأس أمعن النظر إلى الأسفل بين فخضاي في هذا العضو العجيب .
و بعد وهلة ، أمسكته حين بدا لي ككائن مستقلّ بذاته عنّي ، بدى كسمكة تنظر نحوي على وشك أن تقول ' مرحبا أيها الانسان اللطيف ' . رفعتُه و رحت أدوّر رأسه و أنظر إليه من كل جانب فقلت : يا لك من عضو عجيب .
إِنَّكَ حقًّا تبدو كرأس سلحفاة بوجه امرأة عجوز أو شيئ من هذا القبيل . سأتركك و شأنك .
و أرخيت بسمعي إلى الفونوغراف . كم من مرة يتجسّد العذاب الذي يلفّ قصتّي في كلمات أغنية أسمعها على الراديو . و لكن هذه الأغنية التي أسمع.. كأنها.. كأنها تتحدّث عنّي ! هُراء و تخيّل ، أنا لا أفهم الرومانية .
ككلّ ليلة أتحاشى النظر إلى واجهة الجريدة المسائية . أقوم بقلِبها و أنظر إلى الصفحة الثقافية . دعني أقرأ بعض الشيئ . النقاش هذا اليوم عن اكتشاف مذكرّة تحوي مائة قصيدة تراجيدية . انتقى صاحب المقال أربعة أبيات . الكلمات في هذه القصيدة عنيفة ، و هي تبدو في المضمون مألوفة بالنسبة لي . و كأنّ كاتبها قد اضطلع على قصتّي قبل أن أولد بقرون عديدة . لا أستطيع قرائة المزيد ، صوتُ هذه الأغنية الجنائزية صار يشّوش عنّي ، الصوت مُرتفع ، مرتفع جدا ، إنّهم يغنّون عنّ حياتي !
أنا أفهم كل شيئ ! أرمي الكأس من على يدّي ، أقوم بسرعة لأوقف هذا الفونوغراف اللعين ! أكاد أتعثرّ في المنشفة ، و أصل إليه أخيرا ، لأَجِد أنّ الأسطوانة كانت متوقفّة ، و أتذكر أنني لم أشغّل الجهاز قط .
إسفرادسكي
رأس سلحفات .... بوجه عجوز ...و جسد سمكة ويقول مرجبا
ReplyDelete